جميعنا سمعنا بجماعة الفايكنج، إما في الكتب التاريخية، أو في الأفلام السينمائية. ولكن لمن لا يعرفونهم، فالمصطلح يُطلق على شعوب جرمانية نوردية وغالباً على ملاحي السفن وتجار ومحاربي المناطق الإسكندنافية الذين هاجموا السواحل البريطانية والفرنسية وأجزاء أخرى من أوروبا في أواخر القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر (793-1066)، وتسمى بحقبة الفايكنج، كما يستعمل على نحو أقل للإشارة إلى سكان المناطق الإسكندنافية عموماً.
تشمل الدول الإسكندنافية كلاً من السويد والدنمارك والنرويج وآيسلندا. وبحسب ما يعرف كثيرون، فسمعة الفايكنج سيّئة وطبيعتهم وحشية، وهكذا تم تصويرهم في الأفلام، لكنهم تحولوا خلال قرن أو إثنين من الزمان إلى المسيحية واستقرّوا في الأراضي التي هاجموها واحتلوها.
وفي الوقت نفسه، بنى الفايكنج مستوطنات جديدة في آيسلندا، وغرينلاند، وأميركا الشمالية، والأطلسي الشمالي، إضافة إلى تَأسيسِ ممالك في شبه الجزيرة الإسكندنافية على طول الحدود مع الممالك الأوروبية في الجنوب. ونتيجة لاندماجهم في أراضيهم الجديدة أصبح جزء منهم مزارعين وتُجّاراً إضافة إلى الحُكام والمحاربين.
لكن، وبحسب العلماء الذين تحدثوا لصحيفة بريطانية، فهم تمكّنوا من غزو أوروبا بفضل ابتكار تكنولوجي غير متوقع، إذ تعلموا كيفية إنتاج القارّ، أي القطران، على نطاق صناعي، ويُعتبر ذلك سر نجاح الفايكنج الذين استخدموه كعازل مضاد للماء في سفنهم الطويلة، وهو ما مكَّنهم من شنّ حملات نهب ممتدة وواسعة النطاق في جميع أنحاء أوروبا وعبر المحيط الأطلسي.
والقطران أو القارّ هو خليط من السوائل العضوية عالية اللزوجة، لونها أسود، وهو ما يتبقى في قاع برج التقطير عقب التكرير التجزئي للنفط وهو أثقل منتجات النفط وأعلاها في درجة الغليان ويستخدم لعزل القوارب وتقوية هيكلها. ويرجع هذا الاكتشاف إلى أندرياس هينيوس، من جامعة أوبسالا.
فقد أشار إلى أنه وجد أدلة حاسمة على أنه في العصور القديمة، ازداد إنتاج حفر القار في إسكندنافيا بشكل كبير، في الوقت الذي بدأ فيه الفايكنج اجتياح أجزاء أخرى من أوروبا. ويقول هينيوس: "تطور إنتاج القار من نشاط صغير إلى إنتاج كبير الحجم، إِذ انتقل إلى أراضي الغابات في الخارج خلال عصر الفايكنج. جاء هذا التغيير نتيجة للطلب المتزايد على القار والمدفوع بالثقافة البحرية المتطورة".
بحلول القرن الحادي عشر، سيطر الفايكنج على مساحة شاسعة من بريطانيا، واستقروا في أيسلندا، وغرين لاند، وأميركا الشمالية، وهاجموا الموانئ الإسبانية، حيث أطلق عليهم الموريون لقب "السحرة الوثنيون". وكان من بين العوامل المقترحة التي أدت إلى هذه الزيادة الكبيرة في أعدادهم، التغير المناخي الذي عزز الزراعة، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أعداد السكان، الذي دفعهم بدوره إلى الإبحار بسفنهم إلى أراض جديدة. بينما يقول آخرون إن الملوك المحليين كانوا يتنافسون على النفوذ، كما قاموا بتمويل الحملات لجلب الأموال والكنوز ليبرهنوا عن قوتهم.
عُثر على حفر كبيرة أثناء عمليات إنشاء الطرق، وجرى تحديد تاريخها بين عامي 680 و900 بعد الميلاد، إبان بزوغ نجم الفايكنج. في البداية، كان يُعتقد أن هذه الحفر كانت تُستخدم في صناعة الفحم، لكن كشفت أبحاث هينيوس أنها كانت من أجل صناعة القار. وتمت معرفة ذلك لأن هذه الأفران لا ترتبط بأي مستوطنات مأهولة، كما أنها تقع بالقرب من غابات الصنوبر التي كانت العنصر الأساسي فيها.
من جهة أخرى، فعلى الشاطئ الشرقي لأميركا الشمالية، ثمة أدلة على وجود الفايكنج الأوروبيين، عاش فيها البحارة الاسكندنافيون في الأراضي الأميركية، وتم اكتشاف موقعين مختلفين في كندا الحالية لمستوطنات إسكندنافية تعود للقرن العاشر الميلادي وتعدّ دليلاً على وصول الفايكنج لغرين لاند وكندا قبل 5 قرون من رحلة كولومبوس الذي يُعتبر مُكتشف أميركا.