لطالما كانت الثقوب السوداء محط اهتمام علماء الفضاء لقدرتها المرعبة على امتصاص كل ما حولها، فحتى الضوء لا يمكنه أن يفلت منها! ونظرًا لهذه الموهبة الفريدة، لماذا يستمر الثقب الأسود في التوسع والتوسع ليبتلع الكون بأكمله؟
هل يمكن أن يبتلع الثقب الأسود الفضاء بأكمله؟
يبدو السؤال منطقيًا للغاية نظرًا لما نعرفه عن الآكلة الفضائية النهمة، لكن في عام 2018، توصل أحد علماء الفيزياء إلى تفسير مذهل ومقنع.
الثقب الأسود
الباحث وراء التفسير هو الفيزيائي بجامعة ستانفورد ليونارد ساسكيند، المعروف أيضًا باسم “أب نظرية الأوتار”. قدّم ساسكيند ورقته البحثية التي أثبت خلالها باختصار عبر معادلات فيزيائية معقدة أن الثقب الأسود يتوسع إلى الداخل وليس للخارج. والأغرب من ذلك، أن هذه الفرضية لا تتعلق بالثقوب السوداء فحسب، بل تمتد إلى تفسير نمو الكون والفضاء الشاسع بطريقة غير متوقعة.
لنكون أكثر وضوحًا بعيدًا عن المعادلات المعقدة والشرح الفيزيائي الذي يطول، لخّص ساسكيند أن الثقوب السوداء عبارة عن كتل كثيفة تشوّه الفضاء لدرجة أنه حتى الضوء يفتقر للقدرة على الهروب بالسرعة المطلوبة من افتراسها! برغم حجم بعضها الذي قد لا يتعدى حجم ذرة، لكنها تتمتع بكتلة تعادل كتلة جبل شاهق! كما أن هناك ثقوب سوداء تعادل كتلتها الكتل النجمية، أي قد تفوق كتلة الشمس بـ20 مرة!
نظرية ساسكند “الأوتار الفائقة”
بنى ساسكند نظريته على أساس أن كل شيء في الكون يتألف من أوتار أحادية الأبعاد لها كتلة وشحنة وخصائص أخرى تحدد نمط اهتزازها. ولأن الجسيمات الأولية مجرد انعكاسات لاهتزازات الأوتار أحادية الأبعاد. وكما ذكرنا آنفًا، فقد فسّر ساسكيند تساؤلنا الجوهري بأن الثقب الأسود يتمدد للداخل. بمعنى أن حجمها يظل ثابتًا بالنظر إليه من الخارج، لكنه يتضخم وينمو من الداخل إلى المالانهاية!
نظرية آينشتاين وتفسيرها لظاهرة الثقب الأسود
ظهرت الأسس النظرية الصلبة الأولى لمثل هذا الجسم بشكل طبيعي من الرياضيات وراء النسبية العامة لأينشتاين في عام 1915. منذ ذلك الحين، تم رصد الأجسام المادية التي تطابق تلك التوقعات، وغالبًا ما تكون معلقة حول مراكز المجرات.
فضاء
لتخيّل ذلك، دعنا نشبّه أبعاد المكان والزمان في الكون بمخروط مطاطي ثنائي الأبعاد. عند تأثير جسم ثقيل عليه، فإنه يتمدد في العمق بشكل بطيء دون أن يتمدد إلى الخارج. لكن الثقوب السوداء في الواقع تتمدد إلى الداخل من جميع الاتجاهات الثلاثة، ويحيط بها حد دائري يسمى “أفق الحدث” يعد بمثابة نقطة اللاعودة.
تفسير هوكينج وقوانين مكيانيكا الكم
في السبعينيات من القرن الماضي، وضع ستيفن هوكينج، عالم الفيزياء البريطاني الشهير، تفسيرًا بأن الثقوب السوداء تشع حرارة تؤدي إلى تبخرها وتقلص حجمها، ثم ضياع المعلومات التي تسقط فيها. لكن نظرية هوكينج اصطدمت مع ميكانيكا الكم التي تنص على أن كل جسم في الكون يحتفظ بمعلومات الماضي. أدى ذلك إلى نشوب جدل كبير بين علماء الفيزياء هوكينج وساسكند، تركّز على مبدأ الهولوجرام التي وضعها جيرارد هوفت، وتفترض أن المعلومات الخاصة بجميع الأجسام التي تسقط في الثقوب السوداء تختزن في التقلبات السطحية لأفق الحدث.
هذه العلاقة بين مساحة سطح الثقوب السوداء والمعلومات التي تخزنها استحوذت على اهتمام العلماء، الذي رأى بعضهم أن التعقيد الحسابي وعدد العمليات الحسابية المطلوبة لاستعادة الحالة الكمية للثقب الأسود منذ بداية ظهوره قد ينبئ بحجم التغيير الذي طرأ عليها. وعلى افتراض أن التعقيد الحسابي هو المسؤول عن تضخم مساحة الثقوب السوداء من الداخل مع مرور الزمن، فإن الكون أيضًا يتمدد ويتسع. برغم كل هذه التفسيرات النظرية، لا يزال مستحيلًا حتى اللحظة وضع إجابات نهائية عن الأمور المتعلقة بنشأة الكون، خاصةً المرتبطة بالتعقيد الحسابي والمسائل الفيزيائية المعقدة.
نننن