ذاق العالم طعم ما يمكن أن يفعله الهجوم السيبراني عندما أصدرت شركة "كراودسترايك" تحديثاً معيباً الشهر الماضي تسبب في تعطل 8.5 مليون جهاز كمبيوتر يعمل بنظام ويندوز، وأدى إلى توقف خدمات شركات طيران وبنوك ومتاجر كبرى ومحطات تلفزيون والعديد من الصناعات الأخرى في جميع أنحاء العالم. وفي هذ السياق وضع الخبراء تصورات لسيناريوهات كارثية قد تصيب الولايات المتحدة حال تعرضها لهجوم سيبراني متعمد.
عواقب وخيمة
حيث أوضحوا أن الهجوم يمكن أن يبدأ بـ"سلسلة من الإخفاقات المتتالية": أولاً إغلاق مقدمي الخدمات الأساسية، مثل مراكز الاتصال 911 ومقدمي الرعاية الصحية، ثم ينتشر إلى البنية التحتية الحيوية. وأشاروا إلى أن الأميركيين سيفقدون القدرة على الوصول للطاقة والمياه والخدمات المالية والمواصلات العامة وشبكات الهاتف المحمول، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
جواسيس أجانب
من جهته قال المستشار الأول السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، مورغان رايت، إنه في حال حدوث هجوم سيبراني سيعقبه في وقت قريب "اضطرابات مدنية" و"انهيار للنظام الاجتماعي". فيما كشف عميل مكافحة الإرهاب والاستخبارات السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، إريك أونيل، أن الجواسيس الأجانب أمضوا أكثر من عقد من الزمان في البحث عن ثغرات أمنية بالبنية التحتية للاستفادة منها في إجراء هجمات إلكترونية كارثية. كما أضاف أنهم وجدوا بالفعل طرقاً لتعطيل أنظمة الوقود والطاقة والمياه والاتصالات والتعليم في الولايات المتحدة وهم يتطلعون إلى استغلال اعتماد الأميركيين على هذه الموارد الأساسية.
انهيار الرعاية الطبية ووفاة المرضى
من جانبه حذر خبير الإنترنت والمدرس المساعد في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، نيكولاس ريس، من أن هجوماً من هذا النوع سيكون له عواقب وخيمة على المواطنين الأميركيين، مثل قتلهم على أراضيهم. وبين أن الهجوم الإلكتروني على مراكز الاتصال 911 من شأنه أن يحرم المرضى من الرعاية الطبية العاجلة. وفي الوقت نفسه، ستشهد المستشفيات تعطلاً في وحدات العناية المركزة وغرف العمليات، ما يتسبب في تعثر المعدات الطبية ووفاة المرضى.
صراع عسكري محتمل
كما أردف ريس: "لن يتم تنفيذ هجمات متعمدة واسعة النطاق على البنية التحتية الحيوية بهدف الإزعاج"، شارحاً أنه "سيتم تنفيذها لإحداث اضطرابات محلية كوسيلة لإسقاط القوة". كذلك شدد على أن وقوع هجوم بهذا الحجم سيكون بمثابة "عمل عدواني كبير" ضد أميركا، مرجحاً أنه سيتطلب استجابة جادة من الحكومة، بل ربما يعني جر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مع الجهة التي شنت الهجوم.
مجرمو الإنترنت
وقال الخبراء إن مجرمي الإنترنت يدركون أن السيطرة على الموارد الأساسية، مثل الطاقة والمياه، ستكون الطريقة لشل الأمة. وقد حدث هذا عام 2021 عندما أغلقت مجموعة قراصنة تُعرف باسم "داركسايد" خط أنابيب كولونيال، الذي يزود معظم الساحل الشرقي للولايات المتحدة بالنفط. فيما تسبب الاضطراب الذي استمر 5 أيام في نقص محلي بالبنزين ووقود الديزل ووقود الطائرات، وأثار خوف المستهلكين من نفاد الغاز أيضاً.
تهويل مواقع التواصل
كما مضى مورغان رايت قائلاً: "لقد رأينا نموذجاً مصغراً لكيفية استجابة المواطنين أثناء هجوم برامج الفدية على خط أنابيب كولونيال"، مضيفاً أنه "كان هناك اندفاعاً على البنزين بسبب نقص "متصور" في الطاقة، وليس نقصاً حقيقياً". كذلك أكد أن "الاضطراب لم يستغرق سوى ساعات حتى "اندلع كالنار في الهشيم" بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير غير الصحيحة عما حدث بالفعل".
تأثير تموجي
وفي ضوء فوضى خط أنابيب كولونيال، رأى إريك أونيل أن الهجوم الإلكتروني على إمدادات الطاقة الأميركية سيكون له تأثير تموجي مماثل لجميع الأميركيين. كما شرح قائلاً: "بدون الطاقة، سيفقد المواطنون الاتصالات وتكييف الهواء والتدفئة والمياه. وعندما يفتح الشخص الصنبور والإنارة لن يجد ماء ولا كهرباء. عندئذ ستتوقف الأعمال التجارية، ولن تتوفر الموارد المالية ولن تتمكن المستشفيات من تقديم الرعاية، وأكثر من ذلك بكثير".
فوضى
كذلك أوضح أنه من المرجح أن الجاني يستهدف شبكات التحكم الإشرافي واكتساب البيانات SCADA، التي تساعد في إدارة المعدات الصناعية لأنها أهداف سهلة بسبب عدم كفاية الأمن السيبراني والبرامج القديمة. وبين أن "الهجوم المنظم يتطلب العديد من الهجمات المتزامنة ضد مكونات مختلفة من شبكة الطاقة. لكن بسبب نظام الاقتصاد المترابط وسلسلة التوريد، فإن إسقاط قسم رئيسي واحد فقط من شبكة الطاقة الأميركية من شأنه أن يدفع البلاد إلى الفوضى".
إعاقة البنية التحتية
فيما ختم قائلاً إن "العنصر الأخير ربما يكون هجمات مادية على محطات نقل الطاقة والتبديل الأميركية"، مؤكداً أن "المهاجمين لن يحتاجوا إلا إلى استهداف 9 أو 10 عقد رئيسية داخل الولايات المتحدة لانهيار الشبكة". وفي حين أن الهجوم السيبراني المتعمد الذي تشنه دولة معادية أو مجموعة إجرامية إلكترونية قد يعيق البنية التحتية الوطنية، فإن انقطاع تكنولوجيا المعلومات العرضي أو فشل النظام سيكون بنفس القدر من الضرر. تجدر الإشارة إلى أن هذه الأنواع من الانقطاعات تظهر كيف أن "الافتقار إلى المرونة" و"الاعتماد المفرط على مصادر واحدة للتكنولوجيا" يمكن أن يؤدي إلى انهيار الشبكة.