يمكن لجرثومة Deinococcus radiodurans ) المكورة الغريبة مقاومة للإشعاع)، المتعارف عليها باسم "Conan the Bacterium" لقدرتها على البقاء في أقسى الظروف، وتحمّل جرعات إشعاعية أكبر بمقدار 28000 مرة من تلك التي قد تقتل إنسانًا، والسر وراء نجاحها متجذر في مضاد للأكسدة يميّزها.
وراهنًا، كشف العلماء عن كيفية عمل مضاد الأكسدة، ما فتح الباب أمام إمكانية استخدامه لحماية صحة البشر، سواء على الأرض أو من سيتعمقون في دراستهم أكثر في المستقبل. يتكون مضاد الأكسدة من مجموعة بسيطة من الجزيئات الصغيرة تسمّى المستقلبات، بينها المنغنيز، والفوسفات، وببتيد صغير أو جزيء من الأحماض الأمينية.
وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في Proceedings of the National Academy of Sciences، الاثنين ، فإن هذه الثلاثية القوية معًا أكثر فعالية للحماية من الإشعاع من المنغنيز مجتمعًا مع أحد المكونات الأخرى فقط. وبحسب مؤلفي الدراسة، مكن استخدام النتائج لحماية رواد الفضاء من جرعات عالية من الإشعاع الكوني في مهام الفضاء العميق المستقبلية عبر نظامنا الشمسي.
وأفاد المؤلف المشارك في الدراسة براين هوفمان، أستاذ الكيمياء والعلوم البيولوجية الجزيئية بقسم تشارلز إي، وإيما إتش موريسون في كلية وينبرغ للفنون والعلوم في جامعة نورث وسترن: "لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن أيونات المنغنيز والفوسفات معًا تشكل مضادًا قويًا للأكسدة، لكن اكتشاف وفهم القوة (السحرية) التي يوفرها إضافة المكوّن الثالث يُعد إنجازًا كبيرًا. لقد قدمت هذه الدراسة المفتاح لفهم سبب كون هذا المزيج واقيًا قويًا وواعدًا من الإشعاع".
كشف سر مضادات الأكسدة
أظهرت الأبحاث السابقة أنّ جرثومة Deinococcus، المعروفة بأنها أكثر أشكال الحياة مقاومة للإشعاع في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، يمكنها البقاء على قيد الحياة خارج محطة الفضاء الدولية لمدة ثلاث سنوات. كما يمكن للبكتيريا القوية تحمّل الأحماض والبرد والجفاف.
كما أظهر هوفمان وميكيلي دالي، أستاذ علم الأمراض في جامعة الخدمات الموحّدة للعلوم الصحية، قدرة البكتيريا المذهلة للبقاء على قيد الحياة. وأظهر تقرير أكتوبر/تشرين الأول 2022، الذي شارك الثنائي في تأليفه مع فريق من الباحثين، أنه إذا كانت Deinococcus موجودة على المريخ، فإن الميكروبات المجمدة يمكن أن تبقى على قيد الحياة لملايين السنين.
في الدراسة السابقة، قام الفريق بقياس كميّة مضادات الأكسدة المنغنيزية في خلايا البكتيريا. وجد الباحثون أنّ كمية الإشعاع التي يمكن أن تنجو منها الكائنات الحية الدقيقة كانت مرتبطة بشكل مباشر بكمية مضادات الأكسدة المنغنيزية. لذا فكلما زادت مضادات الأكسدة المنغنيزية الموجودة، زادت مقاومة الإشعاع. عند تجفيفها وتجميدها، يمكن لجرثومة Deinococcus radiodurans أن تنجو من 140 ألف غراي، أو وحدات من إشعاع الأشعة السينية وأشعة غاما، وهو ما يزيد بمقدار 28 ألف مرة عن كمية الإشعاع التي يمكن أن تقتل شخصًا.
في أحدث الأبحاث، استخدم هوفمان ودالي وزملاؤهما MDP، أو الميلاتونين الواقي المشتق، وهو مضاد للأكسدة الاصطناعي مستوحى من Deinococcus radiodurans الذي صممه دالي. تم استخدام مضاد الأكسدة هذا في اللقاحات متعددة التكافؤ المعطّلة بالإشعاع التي تعتمد على الإشعاع لإيقاف مسببات الأمراض مثل الكلاميديا. دالي، الذي درس Deinococcus radiodurans لسنوات، هو أيضًا عضو في لجنة الأكاديميات الوطنية لحماية الكواكب.
حلل فريق الدراسة كيف تحمي المكونات النشطة للميلاتونين الواقي المشتق، ضمنًا المنغنيز والفوسفات وببتيد يسمى DP1، الخلايا والبروتينات من التعرض للإشعاع. عندما يرتبط الببتيد والفوسفات بالمنغنيز، فإنهم يشكلون مركبًا ثلاثيًا أو متعدد الأضلاع فعال للغاية في الحماية من الإشعاع. وقال هوفمان إن المستقلبات الموجودة في MDP تشكل معًا "صلصة سرية".
وقالت الدكتورة تيتيانا ميلوغيفيتش، رئيسة قسم علم الأحياء الخارجية في جامعة أورليانز بفرنسا غير المشاركة في الدراسة، إنها تقدم رؤى جديدة حول كيفية إنشاء دروع واقية من الإشعاع بواسطة المستقلبات، وتعزيزها في المستقبل. وقال دالي إن "هذا الفهم الجديد لـMDP يمكن أن يؤدي إلى تطوير مضادات أكسدة أكثر فعالية تعتمد على المنغنيز للتطبيقات في الرعاية الصحية، والصناعة، والدفاع، واستكشاف الفضاء".
وأشار دالي إلى أن رواد الفضاء في مهام الفضاء العميق سوف يتعرضون لمستويات عالية من الإشعاع، في المقام الأول من الجسيمات النشطة التي تسافر عبر الكون المسماة الأشعة الكونية. ولفت إلى أنّ "MDP، كونه واقيًا إشعاعيًا بسيطًا وفعّالاً من حيث التكلفة وغير سام وفعال للغاية، يمكن إعطاؤه عبر الفم للتخفيف من مخاطر الإشعاع الفضائي".
على الأرض، يمكن استخدام مضادات الأكسدة للحماية من الحوادث التي تطلق الإشعاع. وخلص هوفمان إلى أن الفريق الآن لديه فضول لمعرفة ما إذا كان هذا المركب الثلاثي وراء مضادات الأكسدة في Deinococcus موجودًا في خلايا الكائنات الحية الأخرى، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن أن يكون مسؤولاً عن مقاومة الإشعاع فيها.