خلال فترة الحرب العالمية الثانية، لعب الجواسيس دورا هاما في تغيير مجرى المعارك وحسم الحرب لصالح الحلفاء. فبفضل المعلومات التي نقلها من طوكيو لموسكو، ساهم الجاسوس ريتشارد سورجه (Richard Sorge) في إنقاذ الاتحاد السوفيتي حيث أكد الأخير لموسكو عدم وجود أية نية لدى اليابانيين بدخول حرب ضد السوفيت. وبفضل ذلك، تمكن ستالين من نقل عدد هائل من قواته من شرق البلاد لغربها لمواجهة الألمان. وبنفس الفترة، تسبب السفير الياباني ببرلين هيروشي أوشيما (Hiroshi Ōshima) بكارثة عسكرية. فدون قصد، نقل الأخير الأسرار العسكرية الألمانية للحلفاء متسببا بذلك في تراجع الألمان على العديد من الجبهات.
تقرب السفير الياباني من النازيين
عقب استلام أدولف هتلر لمنصب المستشار سنة 1933، حلّ الجنرال، المعروف بالبارون، هيروشي أوشيما سنة 1934 بالعاصمة برلين ليشغل خطة ملحق عسكري بسفارة اليابان بألمانيا. ومع استلامه لمنصبه، اتجه هيروشي أوشيما للتقرب من المسؤولين بالحزب النازي وكسب بشكل تدريجي ثقتهم. إلى ذلك، كانت توجهات هذا الدبلوماسي، والعسكري، الياباني متقاربة مع توجهات النازيين. وبشكل تدريجي، تحوّل هيروشي أوشيما لأفضل ممثل دبلوماسي ياباني بألمانيا بالنسبة لأدولف هتلر. ومع ظهور التحالف العسكري الألماني الياباني الإيطالي، تزايدت شعبية هيروشي أوشيما لدى المسؤولين الألمان. وسنة 1939، سحبت اليابان هيروشي أوشيما من برلين قبل أن تعيده بالعام التالي مانحة إياه منصب سفير اليابان بألمانيا.
ومنذ استلامه لمهامه بشكل رسمي، اتجه هيروشي أوشيما، بشكل عفوي، لإرسال تقارير لطوكيو حول خطط ألمانيا وتقدمها العسكري وأسلحتها المتطورة. وعقب هجوم بيرل هاربر يوم 7 كانون الأول/ديسمبر 1941 ودخول اليابان الحرب العالمية الثانية، تواجد هيروشي أوشيما صلب المحادثات مع المسؤولين الألمان وتحصل بفضل ذلك على معلومات أكبر عن خطط أدولف هتلر.
فك شفرة رسائل مهمة
إلى ذلك، تمكن الأميركيون في وقت سابق من فك الشفرات الدبلوماسية اليابانية بفضل نظام فك التشفير ماجيك (Magic). وأثناء فترة تواجد هيروشي أوشيما ببرلين، تمكن الأميركيون، منذ العام 1940، من اعتراض رسائله وفك رموزها. وبفضل ذلك، كان الأميركيون على علم مسبق بالعديد من الخطط التي أعدّها أدولف هتلر كالاستعداد للتدخل بفرنسا وتوجه الألمان لغزو الإتحاد السوفيتي الذي أبرم معه في وقت سابق معاهدة عدم اعتداء خلال شهر آب/أغسطس 1939. وعلى الرغم من عدم دخولهم الحرب بتلك الفترة، زوّد الأميركيون البريطانيين بهذه المعلومات حول اقتراب موعد حصولهم على حليف جديد تمثّل في الاتحاد السوفيتي. إلى ذلك، واصل هيروشي أوشيما نقل المعلومات، من دون قصد، للحلفاء طيلة فترة الحرب. فعام 1944، نقل الأخير تقارير حول الطائرات النفاثة الألمانية. وبنفس العام، اعترض الحلفاء تقاريره حول دفاعات جدار الأطلسي التي وصفها بشكل دقيق ليساهم بذلك هذا الجنرال، والدبلوماسي، الياباني في تسهيل عملية إنزال نورماندي.
وعقب اجتماعه مع أدولف هتلر خلال شهر أيلول/سبتمبر 1944، نقل هيروشي أوشيما لطوكيو تقارير حول استعداد هتلر لشن هجوم مضاد كبير كما نقل في الآونة نفسها، وبشكل دقيق، خطط الهجوم الألماني ضمن ما عرف بمعركة الثغرة التي خسر خلالها الألمان 100 ألف جندي بين قتيل وجريح وأسير. لحين وفاته سنة 1975، لم يعلم هيروشي أوشيما بحقيقة فك رموز رسائله التي أرسلها لطوكيو أثناء فترة تواجده ببرلين. فبعد سنوات عديدة، كشفت وزارة الدفاع الأميركية عن حقيقة هذه الرسائل التي تم اعتراضها وفك شفرتها.