قرعة المرحلة الحاسمة من تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم في قطر 2022 لكرة القدم أثارت حماسة الجمهور العربي لاحتمال تأهل 4 منتخبات من عرب إفريقيا، إضافة للدولة المضيفة والسعودية صاحبة الحظ الأوفر بين عرب آسيا. وعلى الرغم من الأداء والنتائج المتواضعة للمنتخبات العربية في دور المجموعات من بطولة الأمم الإفريقية المقامة في الكاميرون، فإن الجماهير العربية تعول على أن يكون نجوم الفرق الأربعة (مصر والجزائر والمغرب وتونس) في المستوى عندما يحين موعد المباراة الفاصلة في التأهل للمونديال.
وستواجه مصر منتخب السنغال بينما تصطدم الجزائر بالكاميرون، وتلتقي تونس مع مالي، والمغرب ستواجه الكونغو الديمقراطية في مباراتين ذهاباً وإياباً في الفترة من 23 حتى 29 مارس/آذار المقبل ليتأهل الفائزون الخمسة إلى كأس العالم في قطر. وأدى فوز نسور قرطاج –لقب المنتخب التونسي– على منتخب نيجيريا في دور الـ16 في أمم إفريقيا الأحد 23 يناير/كانون الثاني إلى ارتفاع مستوى التفاؤل ليس فقط في تونس بل بين جماهير عرب إفريقيا عموماً فيما يتعلق بالمباريات الفاصلة للتأهل إلى كأس العالم في قطر.
وبالنسبة لعرب آسيا، فقطر ستلعب النهائيات بصفتها الدولة المنظمة بينما تتصدر السعودية مجموعتها بعد 6 جولات جمعت خلالها 16 نقطة من 5 انتصارات وتعادل. منتخب السعودية بات على مقربة من التأهل إلى كأس العالم 2022، حيث يتصدر المجموعة الثانية بالتصفيات الآسيوية برصيد 16 نقطة، بعدما لعب 6 مباريات ففاز في 5 وتعادل في واحدة ولم يخسر حتى الآن. ويتأهل الأول والثاني مباشرة إلى النهائيات، وصاحب المركز الثالث يلعب مباريات فاصلة.
الظهور الأول في المونديال.. قصة مصرية
وعلى الرغم من الشعبية الجارفة لكرة القدم في الدول العربية والاهتمام الجارف بين شعوبها بالساحرة المستديرة، فإن المشاركات العربية عموماً في أضخم تظاهرة كروية وهي كأس العالم أو المونديال تعتبر أقل كثيراً مما يفترض بها أن تكون، إذ لم يذهب أي منتخب عربي لأبعد من الدور الثاني على الإطلاق. وبدأت قصة الظهور العربي في المونديال منذ بداية القصة تقريباً، فالنسخة الأولى من كأس العالم أقيمت عام 1930 في أوروغواي وغابت عنها المنتخبات العربية، لكن النسخة الثانية عام 1934 في إيطاليا شهدت المشاركة العربية الأولى وكانت من نصيب المنتخب المصري.
والحقيقة أن لمصر وكأس العالم قصة تستحق أن تروى بالتفصيل. النسخة الأولى من المونديال أقيمت في أوروغواي بقرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم احتفالاً بمرور 100 عام على استقلال البلاد. ولم تكن المشاركة في النهائيات من خلال تصفيات كما هو الحال الآن، بل من خلال دعوات وجهها الاتحاد الدولي لبعض الاتحادات حول العالم. الاتحاد المصري وصلته دعوة المشاركة في مونديال 1930 في أوروغواي لكن ذلك لم يحدث، وهناك روايتان حول سبب عدم المشاركة المصرية، الأولى هي الرفض من جانب الاتحاد بسبب بعد المسافة، والثانية هي أن الفريق المصري تأخر عن موعد تحرك الباخرة المتجهة إلى أوروغواي فأبحرت بدونه وهكذا ضاعت فرصة المشاركة.
في النسخة الثانية من المونديال عام 1934 في إيطاليا، كانت المباريات التأهيلية غير مرتبطة بالقارات كما هو الحال اليوم، وأوقعت القرعة –التي كان يجريها آنذاك الاتحاد الدولي– منتخب مصر في مواجهة منتخب فلسطين وفاز المنتخب المصري ذهاباً في القاهرة 7-1 وكرر فوزه إياباً في القدس 4-1 وتأهل الفريق المصري ليلعب في مونديال إيطاليا 1934 ليصبح أول منتخب عربي يلعب في كأس العالم. لعب فريق مصر مباراة واحدة أمام المجر وخسرها 2-4، وسجل هدفي مصر عبد الرحمن فوزي.
وفي النسخة الثالثة من مونديال فرنسا 1938، أوقعت قرعة التصفيات مصر في مواجهة رومانيا، لكن الاتحاد المصري رفض المشاركة في المباراة، لأنها كانت مقررة نهاراً خلال شهر رمضان، وهكذا اعتبر الفريق المصري منسحباً وتأهلت رومانيا للمونديال. وظلت مصر الحاضر الغائب أيضاً في مونديال البرازيل 1950 (النسخة الرابعة بعد توقف البطولة 12 عاماً بسبب الحرب العالمية الثانية)، حيث رفض الاتحاد المصري المشاركة في التصفيات توفيراً للنفقات.
تونس تحقق الفوز الأول
بعد المشاركة العربية الأولى في مونديال 1934، ظل كأس العالم بلا حضور عربي حتى مونديال 1970 في المكسيك حين شارك أسود الأطلس (لقب منتخب المغرب)، ولعب المغرب 3 مباريات خسر أمام ألمانيا الغربية وبلغاريا وتعادل مع بيرو وغادر من الدور الأول. وغابت المنتخبات العربية عن نسخة 1974 من المونديال والتي استضافتها ألمانيا الغربية بعد أن فشلت في التأهل من التصفيات. لكن منذ نسخة 1978 في الأرجنتين، أصبح العرب ضيفاً دائماً على المونديال، إذ شارك على الأقل منتخب عربي واحد في جميع نسخ كأس العالم حتى الآن.
شارك منتخب تونس في نسخة 1978 في الأرجنتين في مجموعة ألمانيا الغربية وبولندا والمكسيك، وشهدت تلك النسخة تسجيل الفوز العربي الأول في كأس العالم، إذ حقق نسور قرطاج انتصاراً بثلاثية مقابل هدف على المكسيك وتعادلوا بدون أهداف مع ألمانيا الغربية وخسروا بهدف نظيف أمام بولندا.
وشهدت نسخة 1982 التي استضافتها إسبانيا حدثاَ عربياً فريداً، وهو الظهور الأول للمنتخبات العربية في آسيا، إذ شارك المنتخب الكويتي، كما شارك أيضاً منتخب الجزائر عن إفريقيا، ليكون هناك منتخبان عربيان للمرة الأولى في نهائيات المونديال. لكنها أيضاً بطولة ستظل خالدة في تاريخ العرب عموماً والجزائريين خصوصاً، بعد الفوز التاريخي للخضر (لقب منتخب الجزائر) على ألمانيا الغربية بهدفين لهدف.
لكن السبب الرئيسي لخصوصية تلك البطولة هو ما أقدم عليه منتخبا ألمانيا والنمسا عندما تآمرا معاً للخروج بالنتيجة الوحيدة التي تضمن تأهلهما معاً إلى الدور الثاني على حساب المنتخب الجزائري. إذ فازت الجزائر على ألمانيا 2-1 وعلى تشيلي 3-2 وخسرت من النمسا 0-1، وفي مباراة ألمانيا والنمسا سجل الألمان هدفاً وظلوا يتبادلون الكرة مع النمساويين حتى صافرة النهاية في فضيحة اضطرت الاتحاد الدولي لإقامة مباريات الجولة الثالثة في المجموعات في توقيت واحد بداية من مونديال 1986.
مشاركات عربية متتالية.. ولكن!
توالت المشاركات العربية في المونديال، وشهدت نسخة 1986 في المكسيك حضور 3 منتخبات عربية في نهائيات المونديال للمرة الأولى (الجزائر والمغرب عن إفريقيا والعراق عن آسيا)، كما تحقق أول تأهل عربي إلى الدور الثاني في البطولة وحققه أسود الأطلسي بعد أن تصدر مجموعته بالفوز على البرتغال 3-1 والتعادل مع إنجلترا وبولندا. ورغم المباراة الكبيرة التي لعبها منتخب المغرب أمام ألمانيا الغربية في الدور الثاني، إلا أن الأسود خسروا بهدف نظيف. وشهد مونديال 1990 في إيطاليا المشاركة الأولى للمنتخب الإماراتي والثانية للفريق المصري (بعد غياب 56 عاما)، وغادر كلاهما من دور المجموعات.
وكان الظهور الأول لمنتخب السعودية في مونديال 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي البطولة التي شارك فيها أيضاً منتخب المغرب، وأوقعت القرعة المنتخبين العربيين في مجموعة واحدة، ليحقق الفريق السعودي فوزين (ضد بلجيكا والمغرب) ويخسر من هولندا ويتأهل للدور الثاني ليخسر أمام السويد 1-3. وحقق المنتخب السعودي إنجازاً عربياً آخر بالتأهل لنهائيات كأس العالم أربع مرات متتالية (1994-1998-2002-2006)، كما حقق انتصارين على حساب منافسين عرب (المغرب ثم مصر 2018) وتعادل أيضاً في مواجهته الثالثة وكانت أمام تونس في مونديال 2006.
السعودية أيضاً تتشارك لقب أكثر منتخبات العرب مشاركة في المونديال بخمس مشاركات مع المغرب (1970 و1986 و1994 و1998 و2018) وتونس (1978 و1998 و2002 و2006 و2018)، تليها الجزائر بأربع مشاركات ثم مصر 3 مشاركات وأخيراً العراق والكويت والإمارات بمشاركة وحيدة. وكانت النسخة الوحيدة من المونديال التي شهدت حضور أربعة منتخبات عربية هي النسخة الأخيرة 2018 في روسيا، حيث شاركت فيها مصر والمغرب والسعودية وتونس، وغادروا جميعاً من دور المجموعات، وحقق العرب فوزين في المونديال الأول من نصيب منتخب السعودية وتحقق على منتخب عربي آخر هو مصر، والثاني كان لتونس على حساب بنما.
وإجمالا يمكن القول إن المشاركات العربية في المونديال توصف بأنها مشاركة ضعيفة بشكل عام، فالعرب في أغلب الأحيان "ضيف خفيف" لا يمثل إزعاجاً كبيراً للمنافسين، باستثناء بعض الحالات النادرة، مقارنة بمنتخبات أخرى آسيوية وإفريقية لا تتوفر لها نفس الإمكانيات المتوفرة للمنتخبات العربية وحققت إنجازات لافتة. فالسنغال ونيجيريا وغانا وصلت إلى الدور ربع النهائي من المونديال، بينما حققت كوريا الجنوبية إنجاز الحصول على المركز الرابع في نسخة 2002 التي استضافتها مشاركة مع اليابان.
وتنتظر الجماهير العربية أن تتغير الصورة الباهتة لممثلي العرب في المونديال القادم على أساس أنها المرة الأولى التي تستضيف دولة عربية –قطر– نهائيات كأس العالم، وهو ما يعني أن المنتخبات العربية التي ستتأهل ستجد مساندة جماهيرية لم تتوفر لأي منها من قبل. وكانت هذه الصورة واضحة تماماً خلال منافسات كأس العرب في قطر والتي شهدت حضوراً جماهيرياً لافتاً.
كما أن فرصة حلم التأهل تداعب أربعة منتخبات من عرب إفريقيا ولا تزال الفرصة مواتية أيضاً لمنتخبات مثل الإمارات وعمان والعراق، على أساس أن السعودية في وضع ممتاز للتأهل بالفعل، هذا بخلاف المنتخب القطري المتأهل دون تصفيات، فهل يكون العرب ضيفاً ثقيلاً على منافسيهم في المونديال هذه المرة؟