خلال العام 82، اتجه الإمبراطور الروماني دوميتيان (Domitian) لتشييد قوس تيتوس بروما وتحديدا بالجنوب الشرقي للمنتدى الروماني. ومن خلال هذا القوس الذي تميز بزخارفه والكتابات المنحوتة عليه، اتجه دوميتيان لتخليد الإنجازات العسكرية لشقيقه، الذي توفي منذ فترة قصيرة، تيتوس (Titus) خلال الثورة اليهودية الأولى. وبالفترة التالية، شهدت روما ظهور العديد من أقواس النصر التي مر من تحتها الجنود خلال الاستعراضات عقب انتصارهم بالمعارك وعودتهم للديار.
مرسوم رسمي من نابليون
وبعد قرون، اتجه الإمبراطور الفرنسي نابليون الأول (نابليون بونابرت) لإحياء هذه العادة مجددا. فعقب نجاحه العسكري بمعركة أوسترليتز (Austerlitz) ضد الروس والنمساويين يوم 2 كانون الأول/ديسمبر 1805، وعد نابليون الأول جنوده بالعودة للديار والمرور تحت قوس النصر لتخليد تضحياتهم في صناعة مجد فرنسا. عن طريق مرسوم إمبراطوري رسمي صادر بتاريخ 18 شباط/فبراير 1806، أمر نابليون بونابرت ببناء قوس النصر بالعاصمة الفرنسية باريس. وبادئ الأمر، فضّل نابليون تشييد هذا المعلم التاريخي على مقربة من الموقع السابق لسجن الباستيل (Bastille) ذي السمعة السيئة. ومن خلال هذا القرار، حاول الإمبراطور الفرنسي تشييد شارع لتخليد إنجازات القوات الفرنسية يمر عبر ساحة الباستيل ومنطقة اللوفر. وعملا بنصائح وزير داخليته جون باتيست نومبير دي شومباني (Jean-Baptiste de Nompère de Champagny) وافق نابليون الأول على تشييد هذا المعلم التاريخي بساحة النجمة التي تحولت فيما بعد لساحة شارل ديغول.
أثناء عملية إعداد تصاميم قوس النصر، اندلع خلاف حاد بين المهندسين المعماريين جان فرانسوا شالغرين (Jean-François Chalgrin) وجان أرنو رايمون (Jean-Arnaud Raymond). وبتدخل من وزير الداخلية شومباني، أجبر رايمون على الاستقالة والرحيل تاركا بذلك مهمة تصميم قوس النصر لشالغرين الذي فضّل اعتماد نماذج شبيهة بتلك التي استخدمت في تصميم قوسي تيتوس وجانوس (Janus) بروما.
تدشين قوس النصر
وضعت الحجارة الأولى لتشييد قوس النصر منتصف آب/أغسطس 1806 خلال الاحتفال بعيد ميلاد نابليون بونابرت. ومع دخول قوات التحالف لباريس سنة 1814، كانت أعمدة قوس النصر قد ارتفعت. إلى ذلك، توقفت أشغال البناء لسنوات عقب رحيل نابليون بونابرت قبل أن تستأنف بشكل جزئي سنة 1823 خلال فترة حكم لويس الثامن عشر الذي استعان بمهندسين جدد كلويس روبرت غوست (Louis-Robert Goust) وجان نيقولا هيو (Jean-Nicolas Huyot). وبمرسوم رسمي، خصص لويس الثامن عشر قوس النصر لتخليد الحملة الفرنسية على إسبانيا سنة 1823 بدلا من تضحيات الجيوش الفرنسية أثناء فترة نابليون بونابرت.
وأملا في التصالح مع الماضي، وافق، لاحقا، الملك الفرنسي لويس فيليب الأول (Louis Philippe I) سنة 1830 على تخصيص قوس النصر للجيوش الفرنسية التي قاتلت من أجل فرنسا منهيا بذلك الخلاف الذي أثاره مؤيدو الجمهورية ونابليون بونابرت حول قوس النصر. ما بين عامي 1832 و1836، أشرف المهندس المعماري غيوم آبل بوليه (Guillaume-Abel Blouet) على إنهاء أشغال تشييد قوس النصر. ويوم 29 تموز/يوليو 1836، تم رسميا تدشين قوس النصر الفرنسي. ما بعد الحرب العالمية الأولى، كسب قوس النصر مكانة هامة لدى الفرنسيين حيث تم إنشاء ضريح الجندي المجهول تحته يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1920.