منذ القرن السابع عشر، تمكنت سلالة تشينغ (Qing) من فرض هيمنتها على الصين عقب نجاحها سنة 1644 في دخول بكين. لكن بحلول القرن العشرين، بدأ نفوذ سلاسة تشينغ في التراجع عقب العديد من الأزمات التي مرت بها البلاد. ففي القرن التاسع عشر، تسببت حروب الأفيون في تراجع مكانة الصين بالمنطقة عقب حصول القوى الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، بالقوة، على مكاسب اقتصادية بالصين. وخلال العام 1908، عرفت السلالة الحاكمة أزمة أخرى عقب وفاة الإمبراطور غوانغشو (Guangxu) بشكل مفاجئ وهو في السابعة والثلاثين من العمر.
بوئي إمبراطورا للصين
أما يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1908، فتوفي الإمبراطور غوانغشو دون أن يترك وريثا للعرش حيث لم يملك الأخير أي أبناء. وبسبب ذلك، آل الحكم بالصين لابن أخيه غير الشقيق بوئي (Puyi) الذي كان يبلغ من العمر حينها عامين وعشرة أشهر. ومع وفاته، حل المسؤولون بالبلاط الإمبراطوري بإقامة عائلة بوئي لانتزاعه من عائلته واصطحابه نحو القصر الإمبراطوري، المعروف أيضا بالمدينة المحرمة، بهدف تهيئته لتولي منصبه. ومع وصولهم لمقر إقامة زايفينغ (Zaifeng)، والد بوئي، اتجهت مجموعة من المختصين، العاملين بالبلاط الإمبراطوري، لأخذ بوئي من والديه. وفي الأثناء، باشر الطفل بالبكاء وقاوم رافضا الابتعاد عن والديه.
من جهة ثانية، لم تبد عائلة بوئي أية مقاومة لعملية أخذ ابنها عقب سماعهم بخبر تعيينه إمبراطورا للصين، من قبل الإمبراطورة تسيشي (Cixi)، خلفا لعمه غوانغشو. ثم وضع الطفل بالقوة بعربة محفة، التي مثلت عربة حملها المخصيين على أكتافهم، ونقل نحو المدينة المحرمة. وهنالك، تكفلت المسؤولة بالقصر، والمرضعة، وانغ ليانشو (Wang Lianshou) بمهمة الاعتناء به. وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1908، توفيت الإمبراطورة تسيشي. وعلى إثر ذلك، أصبح زايفينغ، والد بوئي، وصيا على العرش. ويوم 2 كانون الأول/ديسمبر 1908، قاد الأخير موكب تنصيب ابنه، البالغ من العمر عامين و10 أشهر، إمبراطورا على الصين.
عزل من الحكم بالسابعة من عمره
لكن أثناء حفل تتويجه إمبراطورا، بكى بوئي مرات عديدة بسبب خوفه من أصوات قرع الطبول. ما اضطر والده في كل مرة، للتدخل من أجل تهدئته. وطيلة السنوات السبعة التالية، حرم بوئي من رؤية والدته. في المقابل، أصبح الأخير مقربا من المرضعة وانغ ليانشو التي اعتنت به. إلى ذلك، لم تدم فترة حكم بوئي طويلا. فخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1911، تمردت الكتيبة العسكرية الصينية الموجودة بمنطقة يوهان. ومع فشل الجيش الإمبراطوري في القضاء على هذا التمرد، انهار حكم سلالة تشينغ. ويوم 12 شباط/فبراير 1912، أجبر بوئي الذي كان في السابعة من العمر على التنحي من منصبه.
لاحقا، وضع بوئي وأفراد عائلته بالإقامة الجبرية بالمدينة المحرمة حيث حافظوا على بعض امتيازاتهم. وبالسنوات التالية، طرد الأخير من المدينة المحرمة واضطر للتنقل للعيش بالقسم القابع تحت النفوذ الياباني بتيانجين (Tianjin). وهنالك، تقرب بوئي من السلطات اليابانية وتحدث عن رغبته في استعادة عرشه.
وعقب الغزو الياباني لمنطقة منشوريا الصينية ما بين عامي 1931 و1932، أعلنت اليابان عن قيام إمبراطورية مانشوكو (Manchukuo) بهذه المنطقة واتجهت لتعيين بوئي إمبراطورا عليها. وفي الأثناء، حافظ الأخير على عرشه بمانشوكو لحين نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان. فبتلك الفترة، وقع الأخير بقبضة الجيش الأحمر السوفيتي وظل بالسجن لوهلة قبل أن يتم تسليمه لجمهورية الصين الشعبية التي وضعته خلف القضبان لحدود العام 1959. ومع خروجه من السجن، عبر بوئي عن ندمه لتعامله مع اليابان سابقا واتجه لكتابة مذكراته قبل أن يفارق الحياة بحلول العام 1967.