مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين، بلغت الأزمات بالاتحاد السوفيتي مرحلة اللاعودة حيث عاشت البلاد طيلة الفترة السابقة على وقع أحداث وضعته على طريق الانهيار والتفكك، فخلال السنوات الأخيرة، تابع العالم انهيار المعسكر الشرقي وسقوط الأنظمة الشيوعية بها الواحدة تلو الأخرى. فضلا عن ذلك، جاء سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا، تزامنا مع عدم تحرك موسكو للدفاع عن الأنظمة الحليفة لها بالمنطقة، ليؤكد زوال الموروث الستاليني الذي حدد سياسة أوروبا الشرقية وساهم بظهور الحرب الباردة. وخلال فترة عيد الميلاد، عاش الاتحاد السوفيتي آخر أيامه قبل أن ينهار وينحل بشكل رسمي بحلول يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 1991.
تسارع وتيرة الأزمات بالاتحاد السوفيتي
خلال الثمانينيات، عانى الاتحاد السوفيتي من اقتصاد متهالك ساهم بظهور ظروف معيشية صعبة جدا بالبلاد مقارنة ببقية الدول الغربية، فضلا عن ذلك، فقد الأخير حلفاءه بالمعسكر الشرقي عقب انهيار الأنظمة الشيوعية وعدم تحركه عسكريا لدعمها كما حصل بالسابق خلال الخمسينيات والستينيات. من جهة ثانية، خسر الاتحاد السوفيتي الحرب بأفغانستان واتجه لسحب قواته منها لتتراجع بذلك هيبته على الصعيد الداخلي والدولي.
وبحلول العام 1991، انهار حلف وارسو الذي تم تشكيله في وقت سابق بالخمسينيات، وضم دول المعسكر الشرقي، لمواجهة حلف شمال الأطلسي. بالتزامن مع ذلك، جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها عدد من أفراد الحزب الشيوعي خلال شهر آب/أغسطس 1991 لانتزاع السلطة من الرئيس ميخائيل غورباتشوف لتزيد من حدة التوتر وتساهم في فقدان الثقة بالحزب الشيوعي وحظره بعد أن حكم البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
زوال الاتحاد السوفيتي بعد نحو 69 سنة
في حدود الساعة السابعة والنصف مساء يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 1991، ظهر الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف على شاشة التلفاز ليلقي خطابا أعلن من خلاله تنحيه رسميا عن رئاسة الاتحاد السوفيتي. وبهذا الخطاب، دافع غورباتشوف عن سياسته الداخلية التي اعتمدها وعن ميوله لتخفيف حدة التوتر مع الدول الغربية من خلال ما سمي بسياسة الانفراج الدولي. أيضا، تحدث الرئيس السوفيتي عن انهيار النظام السوفيتي القديم قبل أن يتمكن النظام الجديد، الذي أرساه، من البدء في العمل بشكل كامل. وبحلول الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة مساء، أنزل العلم السوفيتي من فوق الكرملين. وبعد عشر دقائق فقط، تم رفع العلم الروسي، ثلاثي الألوان، بدلا منه. إلى ذلك، تناقلت وسائل الإعلام العالمية مشهد تغيير العلم. وقد تابع الملايين حول العالم هذه اللحظات التاريخية التي جسدت زوال الاتحاد السوفيتي الذي ظهر عام 1922 عقب توقيع معاهدة إنشائه. وخلال نفس ذلك اليوم الموافق للخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1991، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب اعتراف بلاده باستقلال الدول السابقة المكونة للاتحاد السوفيتي. خلال اليوم التالي، صوت مجلس السوفييت الأعلى على قرار حل الاتحاد السوفيتي وإنهاء وجوده. وبالتزامن مع ذلك، غيّر الرئيس الروسي بوريس يلتسين مقر عمله وانتقل لمقر غورباتشوف السابق.
من جهة ثانية، وضعت القوات المسلحة السوفيتية السابقة تحت تصرف اتحاد الدول المستقلة. وبالفترة التالية، انقسمت هذه القوات وخضعت لسيطرة الدول المستقلة تزامنا مع التحاق معظمها بالجيش الروسي الحديث. وبحلول أواخر العام 1991، توقف ما تبقى من المؤسسات السوفيتية عن العمل وتولت الجمهوريات المستقلة دور الحكومة المركزية بشكل منفرد. وحسب اتفاقية ألما آتا (Alma-Ata) التي أبرمت يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 1991، حصلت روسيا على مقعد الاتحاد السوفيتي بكل من الأمم ومجلس الأمن الدولي، واحتفظت بحق النقض. ويوم 31 كانون الأول/ديسمبر 1991، حضرت روسيا اجتماع مجلس الأمن الدولي دون أن تلقى معارضة من أي طرف مشارك.
نن