أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 1922، تمت رسميا المصادقة على معاهدة إنشاء اتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفيتية أو ما يعرف بإختصار بالإتحاد السوفيتي. وقد جاءت هذه المعاهدة لتخلق اتحادا بين مجموعة من الجمهوريات السوفيتية التي كانت قائمة منذ العام 1919. وبموجب ذلك، أنشأت حكومة فيدرالية جديدة تركزت وظائفها بالعاصمة موسكو. إلى ذلك، تمت الموافقة على المعاهدة من قبل وفود جاءت من كل من جمهورية روسيا الإتحادية الإشتراكية السوفييتية وجمهورية ما وراء القوقاز الإتحادية الإشتراكية السوفييتية وجمهورية أوكرانيا الإشتراكية السوفييتية وجمهورية بيلاروسيا الإشتراكية السوفييتية. وفي الأثناء، توسع الإتحاد السوفيتي لاحقا ليضم مناطق أخرى قبل أن يتفكك بعد حوالي 69 سنة لأسباب عديدة تراوحت بين اقتصادية واجتماعية وعسكرية وعرقية.
أسباب اقتصادية
مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، مثّل الإتحاد السوفيتي أكبر دولة من حيث المساحة بالعالم حيث قدرت مساحته بحوالي سدس إجمالي مساحة اليابسة بالكرة الأرضية وبلغت أكثر من 22 مليون كلم مربع. من جهة ثانية، قطن بالأراضي السوفيتية ما لا يقل عن 290 مليون نسمة من عشرات الأعراق. وعلى الرغم من هذه المساحة الشاسعة وتعدد الموارد الطبيعية التي توفرت بكميات هائلة، واجه الاقتصاد السوفيتي، الذي وصف بثاني أكبر اقتصاد بالعالم، مصاعب عديدة حيث كان نقص السلع أمرا روتينيا بينما كانت الأموال دون قيمة. فعلى الرغم من امتلاكهم للمال الكافي، لم يتمكن العديد من المواطنين السوفييت من الحصول على السلع وحياة الرفاهية بسبب النقص الفادح في الإنتاج. فغالبا، حددت السلطات المركزية كميات السلع التي سيتم انتاجها خالقة بذلك حالة من العجز بين ميزان الإنتاج والشراء. من جهة ثانية، ساهمت هذه السياسة في تغلغل السوق السوداء وهيمنتها على نسبة هامة من الحياة الاجتماعية والإقتصادية.
وفي الأثناء، لم تخدم إصلاحات البيريسترويكا (Perestroika)، التي أقرها غورباتشوف، الاقتصاد السوفيتي حيث زادت الأجور من خلال طباعة مزيد من النقود وهو ما أدى لتغذية التضخم. أيضا، كان الاقتصاد عرضة للتأثيرات الخارجية والأوضاع الدولية. فسابقا، مثل الإتحاد السوفيتي أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي واعتمد اقتصاده على عائدات هذه الموارد. ومع تراجع أسعار النفط ما بين سنتي 1980 و1986، واجه الإتحاد السوفيتي تداعيات اقتصادية كارثية عجّلت بإنهياره.
أسباب عسكرية
وبسياق الحرب الباردة، وجه الإتحاد السوفيتي نسبة كبيرة من موارده نحو التصنيع الحربي وميزانية الجيش. وحسب تقديرات غربية، وجه السوفييت خمس ناتجهم الخام لدعم الجيش. وخلال السبعينيات والثمانينيات، تزايد الإنفاق العسكري السوفيتي بشكل لافت للإنتباه. وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد، لم يتأثر الجيش كثيرا حيث حافظ على قيمة الميزانية المخصصة له وتمتع بتمويل جيد.
من جهة ثانية، فقد الجيش السوفيتي هيبته على الصعيد العالمي عقب تدخله بأفغانستان. فبعد انتصاراته بالحرب العالمية الثانية وتدخله لقمع الثورة المجرية وربيع براغ، عانى الجيش السوفيتي من ويلات المستنقع الأفغاني وفشل في تحقيق أهدافه على الرغم من إرساله لنحو مليون جندي هنالك. وبالتزامن مع ذلك، انسحب السوفييت من أفغانستان عقب خسارتهم لعشرات آلاف الجنود بين قتلى وجرحى. أيضا، خسر السوفييت مئات الطائرات الحربية بسبب صواريخ أرض جو الأميركية التي حصل عليها الأفغان. وعلى الصعيد الداخلي، فتحت سياسة الغلاسنوست (Glasnost)، الخاصة بحرية التعبير والصحافة، التي أرساها غورباتشوف الباب أمام تعالي الأصوات المعارضة للحرب داخل الإتحاد السوفيتي حيث طالب كثيرون بإعادة أبنائهم للديار وتحدثوا عن انهيار الجيش السوفيتي. وبدول البلطيق، تعاطف كثيرون مع أفغانستان وتحدثوا بدورهم عن احتلال دولهم وضمها بالقوة للاتحاد السوفيتي على يد ستالين. وبسبب ذلك، تنامت النزعة القومية والإستقلالية بهذه الدول.
أسباب داخلية وفقدان الثقة
وعلى الصعيد الداخلي، اصطف المواطنون السوفييت، عقب اعتماد سياسة الغلاسنوست، لمطالعة الصحف الليبرالية التي نشرت مقالات لفلاسفة ومعارضين. كما اتجهوا في الآن ذاته للتجمهر أمام محلات ماكدونالدز، التي افتتح أولهما عام 1990 بموسكو، لتذوق وجبات الغرب والأكلات السريعة. من ناحية أخرى، فقد المواطنون السوفييت ثقتهم بالدول عقب كارثة تشيرنوبيل النووية سنة 1986. فبتلك الفترة، أخفت السلطات السوفيتية حقيقة الكارثة وانتقدت تصريحات وسائل الإعلام الغربية واتهمتها بالكذب وتضليل الرأي العام عن طريق تهويل الكارثة. ومن جهتها، تحدثت موسكو عن كارثة بسيطة، بينما كانت الإشعاعات قد فاقت ب400 مرة تلك التي سجلت بهيروشيما، وطالبت بإجراء احتفالات يوم النصر بمختلف أرجاء البلاد عام 1986. بسبب تراكم كل هذه الظروف، أصبح انهيار الإتحاد السوفيتي مسألة وقت. ومع تسارع الأحداث بالمعسكر الشرقي وسقوط الأنظمة الشيوعية، انهار الإتحاد السوفيتي وانحل ما بين يومي 25 و26 كانون الأول/ديسمبر 1991.
نن