ما بين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، شهد مجال صناعة السيارات تطورا ملحوظا ساهم في تعميم استخدام السيارة كوسيلة نقل أساسية بدلا من العربات التي جرّتها الأحصنة. إلى ذلك، ساهم عدد من المخترعين في إدخال العديد من التحويرات والتغييرات على السيارات. وبفضلهم، أصبحت قيادة السيارة أكثر رفاهية وفاعلية. وإضافة لكارل بينز (Karl Benz) مخترع محرك الاحتراق الداخلي والمحرك ثنائي الأشواط وإدوارد بتلر (Edward Butler) مخترع محرك الاحتراق الداخلي بالبنزين وشمعة الإشعال وجون بويد دنلوب (John Boyd Dunlop) مخترع الإطار المطاطي الحديث، يذكر التاريخ اسم رودولف ديزل (Rudolf Diesel) مخترع محرك الديزل.
مسيرة رودولف ديزل
ولد رودولف ديزل يوم 18 آذار/مارس 1858 بباريس لعائلة ألمانية مهاجرة. وخلال طفولته، عانى رودولف من ويلات الفقر واضطر للعمل بورشة صناعة الجلد الخاصة بوالده وقد تمثلت مهمته حينها في نقل البضائع الجلدية على متن عربة صغيرة نحو الزبائن. لاحقا، التحق هذا المبتكر الألماني بمدرسة بروتستانتية فرنسية. وهنالك، أبدى الأخير إعجابه بالمسائل الاجتماعية والتكنولوجيا وحصل بفضل ذلك على تكريم سنة 1870.
مع اندلاع الحرب الفرنسية البروسية، تم ترحيل عائلة ديزل نحو إنجلترا. وعقب فترة وجيزة بهذا البلد، أرسل رودولف من طرف والدته، وهو في الثانية عشرة من العمر، نحو مدينة أوغسبرغ (Augsburg) الألمانية ليستقر لدى عمه الذي عمل كمدرس رياضيات. بهذه المدينة، التحق رودولف بالمدرسة التقنية الثانوية قبل أن يتجه، عقب نجاحه، للدراسة بمدرسة أوغسبرغ الصناعية عام 1873. وبحلول العام 1875، حصل هذا الشاب الألماني على منحة دراسية من المعهد الملكي البافاري للفنون التطبيقية بميونخ. وبتلك الفترة، قبل رودولف هذه المنحة ضد رغبة والديه اللذين طالباه بالبحث عن عمل.
عقب تخرجه سنة 1880، عاد رودولف نحو باريس وعمل لصالح المخترع كارل فون ليند (Carl von Linde) بمجال التبريد. لاحقا، عاد رودلف نحو برلين. وعقب فترة قضاها بالمستشفى بسبب وعكات صحية عديدة، راودت الأخيرة فكرة ابتكار محرك جديد يعمل بالديزل بدلا من البنزين.عمل رودلف ديزل على هذا الابتكار لسنوات. وعام 1897، جرّب الأخير محرك Motor 250/400، بنجاح، الذي مثل أول محرك ديزل بالعالم. وبفضل هذا الابتكار، أصبح رودولف ديزل واحدا من أهم المخترعين بمجال صناعة وتطوير السيارات.
اختفاء غامض
وعلى الرغم من هذا الابتكار الهام بمجال صناعة السيارات، عرف رودولف ديزل نهاية غريبة. فيوم 29 أيلول/سبتمبر 1913، تواجد رودلف على متن السفينة إس إس درسدن (SS Dresden) لحضور اجتماع بمؤسسة كونسوليديتد ديزل مانوفاكتشرينج (Consolidated Diesel Manufacturing company) بلندن. وعقب تناوله لطعام العشاء، غادر رودلف ديزل قاعة الطعام وعاد لمقصورته في حدود الساعة العاشرة ليلا. وقبل مغادرته، أوصى الأخير بأن يتم الاتصال به بحلول الساعة السادسة وخمس عشرة دقيقة صباحا. إلى ذلك، لم يشاهد رودولف حيا مرة أخرى. ففي الصباح، عثر على مقصورته فارغة. وبداخلها تواجد قميص نومه الذي كان مفروشا بشكل أنيق إضافة لقبعته ومعطفه الذي كان مطويا بشكل جيد. وعقب عملية تمشيط على متن إس إس درسدن، لم يتمكن العاملون على متنها من العثور على أي أثر له.
خلال التحقيقات، تحدثت زوجته عن فتحها لحقيبة كان رودولف قد أعطاها إياها قبل رحيله وطالبها بفتحها بعد أسبوع. وبداخلها، عثرت زوجته على مبلغ 20 ألف مارك إضافة لرسالة حدثتها عن عدم وجود أي أموال إضافية بحساباته البنكية. وبمذكراته، رسم رودولف ديزل يوم وفاته علامة صليب مما أوحى للمحققين بانتحاره يوم 29 أيلول/سبتمبر 1913. بعد 10 أيام، عثر طاقم إحدى السفن الهولندية على جثة متحللة عند حوض أوسترسخيلده (Oosterschelde). وعقب جمعهم لبعض الأغراض الشخصية منها، أقدم طاقم السفينة على إعادة الجثة للبحر. لاحقا، تعرف ابن رودولف ديزل على هذه الأغراض مؤكدا أنها تعود لوالده. وبعد مضي حوالي 5 أشهر عن هذه الحادثة، اختفت مارثا (Matha)، زوجة رودولف ديزل، بظروف غامضة. عقب هذه الحادثة، ظهرت العديد من الاحتمالات حول اختفاء رودولف ديزل. فبينما تحدث البعض عن انتحاره عن طريق إلقاء نفسه بالبحر، تحدث آخرون عن اغتياله من قبل مسؤولي الجيش الألماني بسبب رفضه منح حق استخدام محرك الديزل للبحرية الألمانية لإنتاج الغواصات وتوجهه بدلا من ذلك للاجتماع بخبراء من البحرية الملكية البريطانية لتزويدهم بحقوق إنتاج واستخدام المحرك.
نننن