لكي تُصبح مدققًا "بارعًا" في "Fashionphile"، وهو أعلى مستوى من التدريب لرصد المنتجات المزيفة في السوق الفاخرة عبر الإنترنت، يستغرق الأمر أكثر من 8 آلاف ساعة من التعليم الصارم، وفقًا لما ذكرته الشركة. يتعلم المتدربون اكتشاف الخطأ في ترتيب التاريخ داخل حقيبة من علامة "لويس فيتون" على سبيل المثال، أو معرفة التركيب الصحيح لخليط المعادن المستخدم في ساعة من "كارتييه".
وتعتمد منافِستها "The RealReal"، على الحواس البشرية والغريزة أيضًا، حيث تتعرف على رائحة حقيبة "بيركين" من علامة "هيرميس" تبلغ قيمتها 25 ألف دولار، أو ملمس جلد "بارينيا" الناعم. ولكن تُجرى الجولة الأولى من فحوصات بائعي التجزئة بالذكاء الاصطناعي، وبمساعدة برنامج تم تدريبه بـ30 مليون صورة لتمييز الاختلافات غير الملحوظة تقريبًا في الخياطة، وغيرها من التفاصيل.
وفي الوقت ذاته، تحسب خوارزمية مستوى الشك بالسلعة بناءً على كل شيء بدءًا من تاريخ بيع المُرسل، إلى شعبية المنتج في السوق السوداء. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، كان قادة الرفاهية والتكنولوجيا يأملون في تحويل المستهلِك العادي إلى مدقّق يتمتع بالقدرة على التحقّق في غضون دقائق، أو حتى ثواني، ممّا إذا كانت محفظة "شانيل" المبطنة أصلية أم لا.
ويدّعي تطبيق "Entrupy" المُعتمِد على الذكاء الصناعي أنّه يستطيع تنبيه المشترين والبائعين إذا كان هناك حذاء رياضي أو حقيبة يد مزورة عبر عدد قليل من الصور التي يتم تحميلها، في حين أبرمت شركة تكنولوجيا الأزياء "The Ordre Group" شراكة مع علامة "لويس فيتون"، و"بربري"، و"باتو"، وغيرها لأخذ "البصمة الرقمية" الفريدة لمنتج ما.
ويقوم برنامج يُدعى "Authentique" بتسجيل كل بصمة على الـ"بلوك تشين"، وهو أمر لا يمكن تكراره، ويُعتبر آمنًا، وسهل التتبع بالمقارنة مع طرق مثل "RFID" (علامات تحديد ترددات الراديو وأجهزة القراءة). وأكّد المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة "The Ordre Group"، سايمون لوك، أنّ "الأمر بسهولة التقاط الهاتف وتوجيهه نحو منتج ما.. ومعرفة ما إذا كان مزيفًا أم حقيقيًا".
وأوضح لوك أنّ التكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي تحلل موادها "مجهريًا"، وصولا إلى كيفية صبغ الألياف، ومزجها، كما تُدرَّب على الدقة حتّى عندما تتعرض الملابس للتآكل مع مرور الوقت. ويُعد اتحاد "Aura Blockchain" أكبر جهد لتوحيد مثل هذه البصمات القابلة للمسح عبر صناعة الموضة والرفاهية، ويقوم الأعضاء المؤسسون حاليًا برقمنة ملايين المنتجات ضمن قوائمهم، بحسب ما ذكرته المجموعة.
"اختراق"
وتشكل جميع هذه الأساليب جزءًا من أمل الصناعة في تحييد سوق المنتجات المقلدة المزدهرة، إذ تؤكّد بعض التقديرات أنّ الأزياء والسلع الفاخرة المزيفة تمثل 60% أو أكثر من تجارة السلع المقلدة البالغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات. وفي حين كانت الحقائب المقلدة متاحة بشكلٍ أساسي في زوايا الشوارع، وصناديق السيارات، إلا أنّها أصبحت متوفرة الآن عبر الإنترنت، وعلى بُعد عدّة نقرات.
وفي منصة "Reddit" وحدها، تتباهى المجتمعات المخصصة لمناقشة السلع المقلدة والبحث عنها بمئات الآلاف من الأعضاء، في حين يعرض مستخدمو "تيك توك" المنتجات المقلدة، ويقوم مستخدمو "يوتيوب" بتحميل برامج تعليمية حول كيفية اكتشاف الاختلافات بين المنتجات المقلدة الرخيصة، والمنتجات المقلدة من الدرجة الأولى.
وقالت مؤسِّسة ورئيسة شركة "Fashionphile"، سارة ديفيس: "كان هناك زمن لم يكن يعترف خلاله أحد بشراء منتج مزيف". ولكن في بعض أوساط وسائل التواصل الاجتماعي الآن، لا يُنظر إلى الأمر على أنّه أمر سلبي، بل يُنظر إليه تقريبًا كاختراق. وتتعرض وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التجارة الإلكترونية للتدقيق القانوني بشكلٍ متزايد بشأن بما يتم بيعه عبر مواقعها الإلكترونية، وذلك مع تطبيق لوائح جديدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
ورأت مؤسِّسة "معهد قانون الموضة"، سوزان سكافيدي، أنّ هذا لا يعالج سوى جزء واحد من المشكلة طالما أنّ المنتجات المزيفة مقبولة، ومرغوبة في بعض الأوساط. وقالت سكافيدي: "ما لم (نكتشفه) بعد هو الجانب الاجتماعي. أنت بحاجة إلى القتال عبر المحاكم القانونية، ولكن عبر محكمة الرأي العام أيضًا".
الحاجة للشك البشري
ومع تطور الملابس والإكسسوارات المقلدة من المنتجات المقلدة الرخيصة إلى ما يُشار إليه بـ"المنتجات المقلدة الفائقة" (superfakes)، ومع قيام العلامات التجارية الفاخرة بإنتاج المزيد من الصيحات في كل موسم، أصبحت أساليب التدقيق معقدة بشكلٍ متزايد.
وعندما تأسست شركة "Fashionphile" في عام 1999 مع التركيز على حقائب اليد، تمتعت العلامات التجارية بعدد قليل من الاختلافات في صيحاتها المختلفة، بحسب ما تتذكره ديفيس، وسهّل ذلك تدريب المدققين. وقالت ديفيس: "الآن، يمتلئ كل موسم بكمية لا تصدق من الأنماط، والأشكال، والمنسوجات". وبعد إطلاق المنتجات الجديدة، تظهر المنتجات المقلدة بعد أسابيع قليلة فقط، وفقًا لمدير التدقيق في "The RealReal"، هنتر تومسون.
ويتفق الخبراء على أنّ نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية ليست موثوقة بدرجة كافية بحد ذاتها، وخصوصًا بالنسبة للمنتجات الجديدة على مدرجات الأزياء، والتي لم تُدرَّب الخوارزميات عليها بعد. وتعتقد سكافيدي أنّ "النموذج الهجين" سيكون ضروريًا دائمًا"، وشرحت: "ستكون هناك دائمًا حاجة للشك البشري عندما يأتي الأمر لشيء ليس صحيحًا تمامًا". كما أنّها أضافت: "أي مدقق بشري يتجاهل التكنولوجيا يعمل بإحدى يديه، وهي مقيّدة خلف ظهره".